بائع البالونات

وقف عامر أمام أحد الرجال ليأخذ منه
مجموعة البالونات فقد استأجره هذا الرجل لكي يعمل كبائع للبالونات في هذا
المركز التجاري .. لم يجد عامر غير هذا العمل مبدئيا كي يكسب قوته اليومي..
لكن لعامر أحلام كبيرة تتجاوز سنواته الثلاثة عشر .. كان عامر طموح جدا
لطالما كان يحاوره نفسه وهو يبيع البالونات "اليوم أبيع البالونات وغدا من
يدري؟"
خلال فترة عمله كبائع بالونات في هذا
المركز كان يشهد مواقف جميلة وبريئة مع الأطفال الصغار الذين يتهافتون
لشراء البالونات الملونة منه .. يذكر منها طفلة شقراء كانت تمسك بجلباب
أمها المشغولة بشراء بعض الحاجيات ,, كانت تشير لعامر الذي يمسك عدة
بالونات بيده .. أرادت الصغيرة أن تلفت نظر أمها لكن الأم كانت مشغولة جدا
بالتناقش مع البائع حول جودة مبيعاته.. كانت الأم تحاول أن تغري ابنتها
العنيدة بأن تنتظر ثانية واحدة لا أكثر .. عقدت الصغيرة ذراعيها على صدرها
وقطبت حاجبيها ونظرت بعبوس نحو البالون الزهري الذي رسم عليه أرنب مبتسم ..
ضحك عامر من وجه الصغيرة لكنه لم يبد لها ذلك بل سلم البالون الأخضر للطفل
الذي اشتراه لتوه منه وحاول أن يبتعد قليلا عن الفتاة كي لا تلحظ أنه
يراقبها .. عادت الصغيرة لشد جلباب أمها وهذه المرة شدته بقوة فنظرت الأم
لابنتها بغضب تجاهلت الصغيرة المدللة نظرات الغضب التي اعتلت وجه أمها
وقالت بعناد طفولي وبصوت متقطع "أريد ..ذاك.. البالون" وأشارت للبالون
الزهري .. دست والدتها يدها في حقيبتها وأخرجت بعض الأفلاس وناولتها ابنتها
وقالت لها "حسنا اذهبي وخذيه"
ركضت الفتاة بسرعة وشدة بنطال عامر فنظر
لها وكأنه يراه للمرة الأولى وابتسم قائلا "أي البالونات تحبينها يا حلوتي
؟" أشارت الصغيرة نحو بالونها الزهري .. فسألها "هذا؟" أومأت له بسرعة
وكأنها تخاف أن يطير منها .. ناولها عامر البالون فناولته النقود وفي أثناء
تلك المبادلة السريعة لم تمسك الصغيرة بالونها فكاد يطير بعيدا لولا أن
أمسكه عامر بسرعة .. نظر لوجها الذي أصفر للحظة فضحك وجثا على ركبتيه
وسألها هامسا "أتحبين أن أربطه حول معصمك أم حول ظهرك ؟" فأدارت ظهرها له
وهي تبتسم بسعادة فربط لها الخيط برفق حول ظهرها نظرت للأعلى فرأت بالونها
يطير في الهواء لكنه لا يهرب منه كما عبرت .. ثم أطلقت يديها للهواء وركضت
مسرعة وكأنها عصفورة صغيرة عائدة لأمها ..
ذلك الموقف الذي جرى قبل ستة أشهر من
أجمل ذكريات عامر .. سلّم عامر ملابس العمل لمدير عمله بعد أن استطاع جمع
مبلغ لا بأس به ليبدأ هو بعمله الخاص فيبيع البالونات وغيرها من ألعاب
الأطفال متجولا في أماكن تجمع الأطفال من ملاه وشواطئ البحر .. كان يحب
التجول على شاطئ البحر يبيع البالونات للأطفال ويستمتع بمشاهدتهم والبحر
الأزرق يداعب أرجلهم .. كان أيضا يحب أن تداعب أرجله أمواج البحر ..
ذات مرة شاهد طفلا صغيرا يبكي بحرقة ..
اقترب عامر منه وسأله برفق "لم تبكي" فأجاب الطفل بحرقة "أريد أبي" ثم أردف
قائلا "كان يمسك يدي ثم تركني وقال أنه سيعود ولكن.." واصل الطفل البكاء
فتابع عامر كلامه وقال "تركت أنت مكانك ؟" فأومأ الطفل باكيا بالإيجاب ..
أمسك عامر يد الطفل وناوله بالون أزرق .. وصحبه أولا ليغسل وجهه بماء البحر
ثم سأل الطفل الذي يهدأ ويرتاح ليد عامر الدافئة "قل لي ما اسم أباك ؟"
فأجابه الطفل الذي لا يتجاوز عمره الرابعة"أنا أناديه بابا" صمت عامر قليلا
وهو يشعر بالرغبة في الضحك من إجابة الصغير ثم أردف "كيف ينادونه الناس؟"
فقال له "يناديه عمو حسام يا أبا سليم" فأجاب عامر وهو يحاول كتم غيظه
"أفترض أن أسمك سليم ؟" فأجاب سليم بسعادة بالغة "كيف عرفت ؟؟" تنفس عامر
بهدوء كي لا يفقد أعصابه "وأمك كيف تنادي أبوك ؟ أتناديه أبا سليم؟" أجاب
الطفل وهو ينظر لبالونه الأزرق "كلا .. تقول له يا عزيزي!" كاد عامر أن
يفقد أعصابه تماما لكنه استطاع أن يسيطر عليها فقال له "دعنا من اسم والدك
.. قل لي ما الذي يرتديه والدك ؟" أجاب سليم وهو ينظر لوجه عامر الذي لفحته
الشمس "قميصا أزرق .. كلون عينيك" ثم أردف وهو يشاهد البحر ويقول بسعادة
"كلون البحر .. كلون السماء" ثم أخذ يجول ببصره فرفع يده ليشير لبالونه
"كلون بالوني" ابتسم عامر ابتسامة ذات مغزى ثم جال ببصره للرجال الكثيرون
هنا وهناك كثيرون يرتدون قميصا أزرق كلون عينيه والبحر والسماء وبالون سليم
.. أدرك أنه بهذا لن ينجح فعاد ليسأله "حسنا هل لك أن تتذكر المكان الذي
كنت فيه؟" علت سحابة حزينة عينا سليم وقال "أنا لا أتذكر" ثم رفع عينيه
ونظر لكثبان الرمل وقال "ربما هنا أو هناك" ثم أردف قائلا وهو يبكي "أنا لا
أتذكر" جثا عامر وأخذ منديلا ليجفف دموع سليم وقال له بصوت دافئ "هيا سليم
لا تبكي .. الرجال لا يبكون" توقف سليم عن البكاء وعبّر عن ذلك بشهقات
متتالية ثم سال قائلا "ألم يسبق لك أن تبكي ؟" تفاجأ عامر لسؤال سليم
وارتبك تذكر عندما بكى بمرارة عندما مات والده .. وكيف بكى عندما ضربه عمه
.. وحين بكى عندما طرده المعلم من المدرسة بحجة أنه غبي ,, لم يدري كيف
يجيب الصغير سليم الذي حاصره بنظراته .. لكن رجلا يرتدي قميصا أزرق أنقذ
عامر من سؤال سليم المحرج .. ركض سليم لوالده بسعادة الذي حمله على ذراعه
وقال له مؤنبا ومحافظا على ابتسامته "ألم أطلب منك ألا تغادر مكانك أيه
المشاكس؟" ثم نظر الوالد لبالون سليم ونظر أيضا لعامر فقال له مبتسما
"أتنبأ أن ابني المشاكس قد أزعجك؟" فنفى عامر ذلك بقوله "كلا عمي .. لم
يفعل" أدخل الرجل يده لجيبه وأخرج نقودا وقال "هاك ثمن البالون" فابتسم
عامر وقال "أنه مني هدية" ثم أردف ضاحك "هل لك أن تخبرني يا عمي ما اسمك
؟؟؟"
كانت هذه أيضا ذكرى لن ينساها عامر ..
كان عامر يتسلم من صانع الكروت كروت كثيرة به اسمه ورقم هاتف خلوي جمع
نقوده واشتراه .. كُتِبَ بعد اسمه "لتزين حفلات أعياد الميلاد والنجاح
وغيرها من الحفلات" وذللها بعبارة "دعوا أطفالكم يستمتعون بالحفلات"
كان عمله الأخير أيضا ممتعا ويحوي ذكريات
جميلة .. ذات يوم طُلِبَ من قبل أحد العائلات كي يزين لهم حديقة منزلهم
استعدادا لحفل عيد ميلاد صغيرتهم العاشر .. فأقبل بهمة يحمل بالونات ذات
أشكال متعددة وألوان زاهية وبدأ بتنسيق الحديقة وأشجارها مزينا إياها
بالبالونات.. فاقتربت منه الطفلة التي بدت سليطة اللسان حين قالت "أنا أكره
كل الألوان .. لا أريد غير اللون الوردي!" فأجابها عامر وهو يضع يده خلف
شعره الأسود "لكن والداك لم يخبراني بذلك .. أنظري أنا أحضرت بالونات من
عدة ألوان!" نظرت الطفلة للكيس الممتلئ بالبالونات اللواتي يحتجن للنفخ
وقالت وهي تهز كتفيها "هذا لا يعنيني .. عد واحضر بالونات وردية" حاول عامر
أن يرضي الطفلة فقال "لكن الألوان المتنوعة تجعل الحفل يبدو أكثر جمالا"
أجابته بحدة "قلت لك أنا أريد بالونات وردية" صمت عامر ثم قال وهو مبتسم
"ألديك أصدقاء" أجابت الطفلة بهدوء "أجل .. الكثير منهم" فسألها بمكر
"أكلهم يتفقون معك ولا يفضلون غير اللون الوردي" أجابته وهي تفكر "كلا ..
فسامي يحب الأزرق وسارة تفضل البنفسجي و.." استدركت قائلة بحدة "لكنه حفلي
أنا وليس حفل سامي أو سارة" فتنهد عامر وقال متصنعا الاستجابة لها وحمل
كيسه "حسنا استمتعي بالحفل بمفردك لأني لا أعتقد أن سامي سيحضر حفلا لا
توجد به بالونه زرقاء ولن تحضر سارة حفلا لا يوجد به بالونه بنفسجية .. إذ
كف سيلهون ويلعبون ؟" وقبل أن يغادر عامر باب الحديقة حتى نادته الطفلة
"أرجوك .. أنا أريدهم أن يحضروا الحفل" فابتسم عامر وعاد نحوها ومسد شعرها
البني وقال لها "حسنا سأضع الكثير من البالونات الملونة وستكون هناك الكثير
من البالونات الوردية أيضا"
كان عامر يحب تلك الذكرى جدا .. وعندما
قطع الشريط الأحمر لمصنعه للبالونات استحضر في ذكراه كل الأطفال الذين
أحبهم .. استطاع أن يحقق حلمه فمصنعه الصغير تحول لمصنع كبير .. ليس
للبالونات فقط بل لجميع أنواع الألعاب التي يحبها الأطفال .. ولأنه كان
يوما ما طفل .. حَلِم كطفل .. فهو يحب الأطفال ويحب دوما أن يسعدهم ..

اهلا بشائر عمري
^^
موضوع
مميز كالعادة
شكراااااااا جزيلالالالالالالالالا
لكي
يا عمري انتي ^^